روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | تعرَّف إلى الله في الرخاء...يعرفْك في الشدة!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > تعرَّف إلى الله في الرخاء...يعرفْك في الشدة!


  تعرَّف إلى الله في الرخاء...يعرفْك في الشدة!
     عدد مرات المشاهدة: 2157        عدد مرات الإرسال: 0

قوله صلي الله عليه وسلم: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة» تعرُّف العبد إلى ربه هو علمه بما يستحقه جل وعلا، ويعني تعلم ما يستحقه جل وعلا عليك، ما يستحقه جل وعلا منك، توحيده في ربوبيته، وإلهيته، وفي أسمائه وصفاته، ما يستحقه جل وعلا من طاعته في أوامره، وطاعته فيما نهى عنه بإجتناب المنهيات، وما يستحقه جل وعلا من إقبال القلب عليه، وإنابة القلب إليه، والتوكل عليه، والرَّغَب فيما عنده، وإخلاء القلب من الأغيار، يعني: من غيره جل وعلا، وإتباع ما يحب ويرضى من أعمال القلوب.

* «تعرف إلى الله في الرخاء»: إذا كنت في رخاء من أمرك، بحيث قد يأتي لبعض النفوس أنها غير محتاجة لأحد، هنا تعرف إلى الله في الرخاء، واطلب ما عنده، وتعلم ما يستحقه جل وعلا، وإتبع ذلك بالإمتثال، فإن هذا من أفضل الأعمال الصالحة، بل هو لب الدين وعماده، العلم بما يستحقه جل وعلا، ثم العمل بذلك، إذا حصل منك التعرف إلى الله، والتعرف على الله جل وعلا عرفك الله في الشدة

* «يعرفك في الشدة»: كلمة يعرفك هذه جاءت على جهة الفعل، ومعلوم في باب الصفات أن باب الأفعال أوسع من باب الأسماء، وباب الإخبار أوسع من باب الصفات.

فإذن قوله: «تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة»، من جهة الصفات هذا بحثه ما معناه معرفة الله للعبد في الشدة، قال العلماء: هذه معناها المعية، ومعرفة الله جل وعلا للعبد في الشدة يعني أن يكون معه بمعية النصر والتأييد والتوفيق: وأشباه ذلك.

* «واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك»: وهذا في القدر ومن قرأ بحثه، قال: واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، هذا فيه الأمر بالصبر، وأن مع الكرب يأتي الفرج، وأن مع العسر يأتي اليسر، كما قال جل وعلا: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا*إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5-6]، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن يغلب عسر يسرين»، وهذا من فضل الله جل، وعلا قد قال الشاعر:

إشتدي أزمة تنفرجي *** قد آذن ليلك بالبلج

وهذا يدل على أن العبد إذا إشتد عليه الأمر، وأحسن الصبر، وأحسن الظن بالله جل وعلا فإنه يؤذن له بأن ينفرج كربه، وأن ييسر له عسره، والصبر أمر به هنا في قوله: «واعلم أن النصر مع الصبر»، والنصر مطلوب، فصار الصبر مطلوبا، والصبر مرتبة واجبة، وإذا حصل كرب ومصيبة، كما قال: «ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك»، إذا حصلت مصيبة فإن الصبر واجب يعني: الصبر أمر الله به، وهو واجب على كل أحد، ومعنى الصبر الواجب: أن يحبس اللسان عن الشكوى، ويحبس القلب عن التسخط، ويحبس الجوارح عن التصرف بما لا يجوز من شق أو نياحة أو لطم، وأشباه ذلك من الأفعال في غير مصيبة الموت.

فإذن الصبر فيه حبس اللسان عن التشكي، كما هو تعريف الصبر، وإذا تشكى المؤمن منه فإنه يخالف حبس اللسان عن التشكي، ولهذا لما جاء أحد الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ما يلقى من المشركين من الشدة، غضب النبي عليه الصلاة والسلام لأجل أنهم لم يصبروا، وقال: «إنه كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فينشر بالمنشار نصفين ما بين جلده وعظمه لا يرده ذلك عن دينه، فوالله ليتمن الله هذا الأمر...»، الحديث، فدل هذا على أن الصبر واجب في جميع الحالات.

والصبر حبس للسان عن التشكي، وحبس للقلب عن التسخط، وحبس للجوارح عن التصرف في غير ما يرضي الله جل وعلا ، ولهذا أمر الله نبيه أن يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35]، وكل مخالفة لهذا الواجب يأتي لها أضدادها في حياة العبد، إما الخاصة أو العامة.

المرتبة الثانية المستحبة هي: الرضا، الرضا بما قدر الله جل وعلا، فالصبر واجب، وأما الرضا فمستحب، الرضا بالمصيبة مستحب، ومعنى الرضا بالمصيبة: أن يستأنس لها، ويعلم أنها خير له، فيقول: هي خير لي، ويرضى بها في داخله، ويسلم لها، ولا يجد في قلبه تسخطا عليها، أو لا يجد في قلبه رغبة في أن لا تكون جاءته، بل يقول: الخير في هذه، وهذه مرتبة خاصة.

وهناك فرق ما بين الرضا الواجب، والرضا المستحب في المصيبة، فإن المصيبة إذا وقعت تعلق بها نوعان من الرضا: رضا واجب ورضا مستحب، والرضا الواجب هو: الرضا بفعل الله جل وعلا، والرضا المستحب هو: الرضا بالمصيبة، يعني: الرضا بفعل الله هذا واجب، لأنه لا يجوز للعبد ألا يرضى بتصرف الله جل وعلا في ملكوته، بل يرضى بما فعل الله جل وعلا في ملكوته، ولا يكون في نفسه معارضة لله جل وعلا في تصرفه في ملكوته، هذا القدر واجب.

وأما المستحب فهو الرضا بالمصيبة يعني: الرضا بالمقضي، فهناك فرق ما بين الرضا بالقضاء، والرضا بالمقضي، فالرضا بالقضاء الذي هو فعل الله جل وعلا هذا واجب، والرضا بالمقضي هذا مستحب - انظر: شرح الأربعين النووية للشيخ صالح آل الشيخ.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.